Friday, January 2, 2009








اهرام الجمعه عدد 2 يناير2009









فرق توقيت
بقلم: شريف عبدالمجيد
دقت ساعة الحائط الكبيرة الموجودة في صالة الشقة أربع دقات متتالية‏.‏ خرج منها الببغاء المتهالك ـ الذي مازال يعمل لأسباب لا يعلمها أحد حتي الآن ـ دخلت هي بخطوات متسارعة حتي لا توقظه‏..‏ صحا من نومه ـ الخفيف جدا ـ اعتدل واتكأ علي مسند الكنبة التي ينام عليها‏,‏ نظر اليها وكأنه لا يعرفها أو فوجيء بوجودها أمامه
انتي مين
أنا سعاد
سعاد‏!‏ وعايزه إيه يا سعاد

أنا سعاد‏...‏ سعاد بنتك يا بابا‏,‏ قالت هذه الكلمة بالقرب من أذنه اليسري التي يسمع بها أفضل من أذنه اليمني
طيب أنا خارج‏.‏
خارج رايح فين بس‏.‏

أصلي لازم أروح الشغل‏...‏ ومش عايزهم ياخدوا فرصة ويأخروا ترقيتي‏.‏
شغل‏!!‏ شغل إيه بس يا بابا أنت علي المعاش بقالك عشر سنين‏.‏

انتي هتعملي زيهم‏...‏ سبيني أخرج بس‏..‏ أنا كمان لازم أنقل سمير من جامعة اسكندرية لجامعة القاهرة‏...‏ أنا عايزه قدام عيني‏..‏ ربنا كرمه ودخل هندسة ودي كلية مصاريفها كتير فبدل السفر والبهدلة أنقله أحسن
إنتي عندك عيال؟

أيوه يا بابا‏..‏ أحمد إنت سميته علي اسمك وعندي سلمي أقولك إيه بس‏,‏ ما انت اللي مربيهم‏,‏ وكنت دايما بسيبهملك إنت وماما الله يرحمها
إيه
أيوه عندي عيال

ربنا يحميكي إنتي باين عليكي طيبة‏,‏ بس خللي بالك من نفسك‏,‏ الناس بقت وحشة قوي‏.‏
حاضر يا بابا‏.‏
إيه
بقولك حاضر

أنا عندي بنات زيك‏...‏ ربنا يستر علي ولايانا‏..‏ أمال فين الجزمة
هناك أهيه

أنا لسه هعدي علي سعيد أخويا‏,‏ وبعدين هشتري البقالة للبيت أحسن فاطمة ما بقتش تقدر تنزل زي زمان‏,‏ الله يكون في عونها‏.‏

لم تعرف كيف ستقول له ان سعيد الآن في السعودية؟ وأن فاطمة أمها وزوجته ماتت منذ خمس سنوات‏.‏ لانه سيدخل ساعتها في نوبة بكاء لا حد لنهايتها‏,‏ هل ما هو فيه أفضل من تذكره لكل شيء؟
طب استني أنزل كمان شويه الدنيا حر موت‏..‏ زي ما أنت شايف

يعني الشغل هيستناني‏...‏ حر إيه وبتاع إيه وبعدين أنا قاعد هنا بمزاجي وهنزل بمزاجي هوه أنتي هتمنعيني‏.‏

لا طبعا العفو يا بابا‏...‏ طب كل حتة اللحمة دي وأشرب الشربة وأعمل اللي انت عاوزه
يعني أشرب الشربة؟
أيوه أشربها

أمال فين سلوي؟‏...‏ هي مش باينه ليه هي مش هتروح المدرسة النهارده‏.‏
مدرسة إيه بس‏...‏ سلوي دي ولادها في الثانوية دلوقتي
ما شاء الله
ايوه يا بابا وهي مع جوزها في قطر

فين؟
في قطر‏.‏
قطر‏!!‏
أيوه قطر

طب تعالي الناحية دي عشان أسمعك كويس‏.‏
كويس كده
كده أحسن

أشرب الشربة لو شربتها كلها هحكيلك حكاية هتعجبك قوي‏.‏
حكاية إيه‏!‏

حكاية العصفور اللي لف تلت بلاد وهو محبوس في القفص
قفص إيه وعصفور إيه

العصفور اللي لقوه مع بنت ملك‏,‏ سلطانه مالوش حدود وخسر حربا كبيرة‏..‏ راح الجنود المنتصرون خدوا العصفور وعطوه لبنت الملك بتاعهم‏...‏ عصفور مفيش أخوه ريشة دهب وريشة فضة لكنه كان محبوسا‏.‏
خد بقي حتة اللحمة دي
وبعدين حصله إيه يعني
هوه مين؟
العصفور يابنتي‏.‏

الأميرة قالت لازم أفكه من أسره‏,‏ إيه فايدة جماله لو مكنش الناس تشوفه
والله بتفهم برضه

وراح طاير‏..‏ قعد يغني علي شباكها أتاريه كان عصفور مسحور وخلا كل اللي في المدينة يبكوا من كتر السعادة ومحدش منهم نسي صوته‏...‏ عارف ليه؟
ليه؟

لأن ده صوت الحرية‏...‏ أصل الطيور لما بتكون محبوسة ماحدش بيقدر يحس بحزنها إلا إللي بيحلموا يطيروا في الفضا الواسع
الشربة دي باردة
لا والله دي سخنة
يعني أنا بكذب

العفو يا بابا بس أنا خايفة توقعها علي نفسك هسخنهالك تاني
طيب إيه البلد التالتة اللي رحها
دي بلد ما فيهاش طيور محبوسة كل شيء فيها حر وجميل
ياه‏....‏ مفيهاش طيور محبوسة خالص

لا‏....‏ خالص‏..‏ خد بقي الدوا
كل الدوا ده ليه‏....‏ الشافي هوه الله
ونعم بالله بس عشان تخف
منا زي البمب والحمد لله‏...‏ تصدقي إمبارح حلمت حلم غريب قوي
حلمت بإيه

حلمت إني في جنينة كبيرة جدا لكن كل شوية بقابل واحد شبه يوسف وهبي في فيلم سفير جهنم‏.‏
وبعدين
ولا قبلين

جريت منه لكنه كان دايما بيظهرلي‏,‏ خفت وجسمي كله انتفض وكنت عايز أعيط وأصرخ بس صوتي فضل محبوس ومش عايز يطلع‏.‏
يا ساتر
والله العظيم
أنت بس اقرأ قرآن قبل ما تنام
إن شاء الله‏...‏ وعلي كده إنتي عارفة ولادي كلهم

أيوه طبعا‏...‏ ترجع بطبق الشربة والدموع تملأ مقلتيها‏...‏ ربنا يخليك لينا
إنتي بتعيطي‏..‏ هو فيه حد مزعلك
لا أنا مش بعيط
والله الواحد كان نفسه يبقي عنده بنت زيك كده

تضع الحذاء أسفل الكنبة التي ينام عليها لأنها تعرف أنه سينام أربع ساعات متتالية بعدما أخذ الدواء وستترك مفتاح الشقة عند الجيران وسترجع لبيتها قبل أن يعود زوجها من عمله‏,‏ حيث إنها قضت يومين عند والدها‏,‏ وهذا دور كريمة بنت خالتها وزوجة أخيها في المبيت معه‏.‏

الود ودي مسبكيش بس أعمل إيه في العيال ومحمود وطلباته اللي ما بتخلصش أنا عارفة هروح الشقة هلاقيه مبهدلها هوه والعيال حتي شرابتهم مسيبكش‏,‏ وكريمة الله يجزيها بتخدم وهي متضررة ده أنا لو قلت الي بتقولهولي لجوزها كان زمانه طلقها‏,‏ واللي زاد وغطي انها بتقول إنك يا بابا بتعملها علي نفسك طب ما أنا بقالي يومين أهه معملتش حاجة ولا في أي يوم أنا بيت فيه معاك القصد مع السلامة‏.‏

تغلق الأنبوبة وتطفيء نور الصالة وتخرج من الشقة وتغلق الباب خلفها بينما دموعها تسيل مرة أخري دون إرادة منها ووقع خطواتها علي البسطة العريضة المتهالكه مازال مسموعا داخل الشقة‏
.‏